المحامي جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، دوره لا يقتصر على المرافعات داخل أسوار المحاكم و لا على مرافقة العدالة في تحقيق أهدافها الأخلاقية والقانونية ، بل هو قوة فاعلة في بيئته يرفع تحديات الحاضر ويدفع بعجلة التنمية المستدامة نحو الرقي والازدهار، من خلال مساهماته الهادفة في شتى القطاعات الحيوية.
المحامية والناشطة الإعلامية عمران هند هيشور
- من هذا المنطلق ، نظمت لجنة المحامين والفنانين في الجزائر العاصمة فعالية فنية قانونية، تعتبر الأولى من نوعها تحت عنوان “تلاقي” سلطت الضوء على العلاقة المزدوجة الرابطة بين حماية الحقوق الفنية والقانونية يهدف من خلالها تعزيز الحوار بين الحقلين المذكورين تحت غطاء علمي، يقترن فيه الفن والقانون في جو تناغمي يمنح للنخبة مجموعة من الوسائل المشجعة للإبداع في مجتمع يتوق إلى تحقيق تنمية ثقافية متواصلة بين الأجيال.
إن تألق أعمدة المحاماة في الرسم والتمثيل والموسيقى أثار لدينا الكثير من الإعجاب و الانبهار ؟ فبين صرامة القانوني و عبقرية الفنان انبعثت طاقة من العطاء في فضاء الإبداع كشفت عن أضواء مكنونة سطعت من وراء البذلة القاتمة .
فها هو المحامي الرسام و الموسيقي و المبدع و الفنان يبرهن بأن المرافعة في المحكمة هي مثلها من فوق ركح المسرح وتلك الانامل التي تفصل حيثيات القضايا هي كذلك ماهرة في ملامسة الريشة ، و أصل الرسالة و منبعها نصرة للمظلوم وإيصال صوت الحق و المساواة أمام القانون . لذلك فان هذه المهارات هي إثراء و تدعيم للفن و الإبداع يجب تثمينها و الاستفادة منها .
علاقة الفن بالقانون
لقد أظهرت هذه الفعالية تناغما و توافقا بين القانون والفن، حيث تتجلى أهمية الحماية القانونية للأعمال الفنية والفنانين، من خلال المداخلات والنقاشات التي أدارها خبراء من كلا المجالين وقد تناول البرنامج قضايا تتعلق بالحماية القانونية للملكية الفكرية والعلامات التجارية، بالإضافة إلى موضوعات أخرى لها علاقة بالفن عموما. فكانت الفرصة لنقاشات وتبادل للأفكار والتعرف على الحلول القانونية التي تحمي حقوق الفنانين المبدعين أمام التحديات و العراقيل التي تواجه الفنانين الجزائريين في عصرنا هذا. لقد كانت مناسبة للحضور للتعرف أكثر على عديد القضايا القانونية المتصلة بالموضوع و فهمها فهما عميقا بوجود نخبة من الخبراء في كلا المجالين.
تقديم مواهب متعددة الأجيال
ما يميز هذا الحدث هو الكشف عن المواهب الشابة والناشئة إلى جانب الاحتفاء بالمبدعين الكبار. حيث تقف المحامية والفنانة نور اليقين الطيب زغيمي وراء فكرة “تلاقي” ليس فقط لتسليط الضوء على التحديات القانونية التي يواجهها الفنانون بل أيضا لتعزيز الحوار بين المحترفين من كلا المجالين حيث إدماج الفن و القانون هي خطوة فعالة لحماية حقوق الفنانين التي توجه الفنان نحو أطر قانونية تضمن له حقوقه مع تعزيز الوعي حول كيفية تأمين هذه الحقوق إن كانت فكرية أو إبداعية.
من بين المشاركين الطفلة عولمي لينة و تبلغ من العمر ثلاثة عشر وهي أصغر مشاركة حضرت في هذا الملتقى الفني ، ما يعكس الاهتمام الكبير لدعم المواهب وتشجيعها في هذه السن المبكرة ، وفي الجانب الآخر، ختمت الفعالية بتكريم الفنان المخضرم طيب يوسف على ما قدمه من إسهامات قيمة في مجال الفن على مدار سنوات عديدة ، تظهر فيه العلاقة المستمرة بين الأجيال المختلفة في العالم الفني.
برنامج متنوع وغني
كما شهد البرنامج معرضا فنيا مميزا من بينها إبداعات الفنان البروفيسور كريم سرقوة من المدرسة العليا للفنون الجميلة والمحامي الفنان سيف الإسلام شربال الذي أبهرنا بأعماله الجميلة ،من بينها اللوحة الابداعية التي تحمل رسالة معبرة عن واقع مأساوي يعيشه أطفال غزة تحت وطأة الظلم وانتهاك الاتفاقيات الدولية، فكلها أعمال فنية تجسد المعاني العميقة والمشاعر الإنسانية النبيلة تترك في نفس من يتأملها الأثر الكبير.
كما تم تقديم عروض أدبية وشعرية من قبل محامين وفنانين، وهي فقرات جمعت بين الترفيه و الرسائل العميقة و الملهمة زادت من هذه الفعالية رونقا و تمتعا أدبيا أثار فضول الحضور .
وكان للأفلام القصيرة نصيبها من الاهتمام حيث تضمنت العروض قصصا مؤثرة و هادفة ، تخللها تقديم بورتريهات لفنانين تشكليين بارزين.
ختاما، فان هذه الفعالية لم تكن مجرد حدث فني، بل كانت منصة تفاعلية للتبادل الثقافي والفني والقانوني، تسعى لتعزيز الأداة القانونية في حماية الإبداع مهما كان نوعه والتعاون من أجل مسايرة التغيرات الراهنة. إن الجزائر الجديدة تفتح آفاقا وفرصا لكل من يريد المساهمة في بناء مجتمع واع ومثقف, يقدر الإبداع ويحميه و يضع بلادنا في مصاف الأمم الواعدة.