بقلم : دحمان بن سالم
في باريس، حيث تُرسم الخطط في العتمة، وحيث تحسب العقول المدبرة أنها تمسك بخيوط اللعبة، هناك اليوم ارتباكٌ واضح، وضجيجٌ لا يخفي وراءه سوى الخوف من الحقيقة. التقارير تتوالى، التصريحات تتصاعد، والمقالات تمتلئ بالافتراءات، لكن خلف كل هذا الصخب، هناك ذعرٌ لا يُمكن إخفاؤه، واعترافٌ غير معلن بأن خصمهم ليس كغيره.
لقد اعتادوا على صناعة الخصوم الضعفاء، على إملاء السيناريوهات وفرض الشروط، لكنهم اليوم أمام رجلٍ كسر معادلاتهم، قلب رقعة اللعب رأسًا على عقب، وجعلهم يتخبطون في وهم السيطرة وهم عراةٌ أمامه. هو لا ينتظر تحركاتهم، بل يسبقها، لا ينجرّ إلى معاركهم، بل يجعلهم يتخبطون في معركة مع أنفسهم. كلما اعتقدوا أنهم وضعوه في الزاوية، وجدوه قد أغلق عليهم كل المخارج، وكلما حاولوا الانقضاض عليه، أدركوا أنهم كانوا يركضون نحو فخاخهم الخاصة.
جنّ جنونهم، لأنهم لم يفهموا كيف يستطيع أن يكون في كل مكان ولا يُرى، كيف يزرع الخوف في قلوبهم دون أن يرفع صوته، كيف يراقب بصمتٍ لكن خطواته تصدح كالرعد في سماء باريس.
ليس مجرد رجل، بل فكرةٌ ترعبهم، ظلٌّ يلاحقهم حتى في يقظتهم، وعقلٌ لا يمكن تجاوزه أو التلاعب به. وحينما يصل بهم الغضب إلى درجة الصراخ، وحينما تتوالى مقالاتهم المليئة بالافتراءات، فاعلم أن النصر قد حُسم، وأن من أفقدهم عقولهم قد رسم نهايتهم بيده.. وبهدوءٍ مرعب.