تحتضن ولاية البويرة حدثا وطنيا فريدا من نوعه، حيث تستعد دار الثقافة على عموم لاستقبال الحفل الرسمي لمبادرة “شعار النبالة للجمهورية”. وتُنظَّم هذه المبادرة من قبل جائزة الرائد سي لخضر وجمعية نشاطات السلام الثقافية بالأخضرية، برعاية كريمة من السيد والي ولاية البويرة، في خطوة مميزة تعتبر الأولى من نوعها منذ استقلال الجزائر.
عمران هند هيشور – محامية وناشطة إعلامية
وتأتي هذه الفعالية تزامنا مع الاحتفالات بالذكرى السبعين لعيد الثورة المجيدة، في محاولة لإعادة إحياء رموز الهوية الوطنية وتعزيز قيم الانتماء الوطني.
ويسعى هذا الحدث لتسليط الضوء على ما يمثله شعار النبالة من دلالة تاريخية تجسدت فيها القيم الانسانية والحضارية عند الشعب الجزائري المتصل بجذوره وأرضه وتقاليده بتلاحم الأجيال وتواصلها من أجل الحفاظ على مكتسبات الأمة بإرثها السياسي والثقافي والاجتماعي.
هذا الشعار الذي صممه وأبدع في تشكيله الفنان الجزائري محمد بوزيد في اللحظات الأولى من فجر الاستقلال يعد أحد رموز الاستقلال والحرية، نابع من رحم المعاناة في ظل كفاح مسلح ومقاومات عديدة كللت بثورة تحريرية هزت كيان المستعمر الغاشم وأعطت آمالا مشرقة للجزائريين نحو حرية مستحقة.
أسست لمرحلة ما بعد الاستقلال ببناء دولة قوية لطالما حلما راود شهداءنا الأبرار وأرواحهم الزكية تفيض إلى بارئها في ميادين المعارك والشرف يصوبون بندقياتهم وبصدور عارية أمام المدافع والطائرات، صدور ملئت إيمانا بشمس الحرية والانعتاق من ظلمة الاستعمار، فشعار النبالة جسد كل هذه المفاهيم الثورية كما اشتملت فيه كل معاني الدولة العصرية والسيادة الوطنية.
الإرث الوطني من التحرر إلى البناء
فمن خلال شعار النبالة وكذلك رموز الهوية الوطنية الجزائرية كالنشيد الوطني “قسما” والعلم الوطني واللذان شكلا كذلك جزءا من إرث الثورة التحريرية. تكون ولاية البويرة قد منحت لنفسها مساحة شاسعة لاحتفال ثقافي وتاريخي يسهم في تعزيز الهوية الوطنية، وتجدد روح ومعاني الوطنية لذي الأجيال الصاعدة التي تستلهم من رجالات الرعيل الأول الذي تغذى بهذه الوطنية المتصلة بالتحرر والكفاح المسلح والنضال الطويل ضد الاستعمار الفرنسي.
إضاءة على رمز سيادي بأبعاد ثقافية وفنية
وتزامنا مع هذا الحدث، تم إطلاق الفيلم الوثائقي “شعار النبالة…حكاية الرمز”، الذي تشرفت بالمشاركة فيه كأحد الأصوات التي تناولت الأبعاد القانونية لهذا الشعار السيادي. ويبرز الوثائقي، الذي تصل مدته إلى 26 دقيقة، استعراضا تاريخيا عن تصميم شعار النبالة الرسمي، موضحا التفاصيل الدقيقة التي تعكس رؤية الجزائر الجديدة في أعقاب الاستقلال. فهو لا يقتصر فقط على سرد الأحداث التاريخية، بل يتناول أيضًا الأبعاد الثقافية التي تحملها الرموز الوطنية، كما هو تجسيد للعزيمة والإرادة التي اتسم بها الشعب الجزائري خلال نضاله من أجل الحرية، تتخلل هذه السردية عرض لقطات من ذكريات وتاريخ الجزائر، بهدف ترسيخ علاقة الجيل الحالي بتراث الأمة الجزائرية الغني والمتعدد.
الجزائر الجديدة مرآة لطموحات الأجداد والأجيال
بالإضافة إلى هذا الوثائقي، تم إصدار كتاب يحمل نفس العنوان، ويتضمن مجموعة من المقابلات مع شخصيات بارزة في مجالات التاريخ والفن. من بين هؤلاء، البروفيسور محمد لحسن زغيدي، الذي قدم رؤى عميقة حول تاريخ الجزائر ورموزها الوطنية. وهو إطلالة على تجارب فنانين بارزين مثل مصطفى عدان وأمقران زرقة ممن عايشوا فترة تشكيل هذا الشعار وتفاعلوا مع تصميمه.
هذا الجمع بين الوثائقي والكتاب أعطى أبعادا معرفية متكاملة من الناحية الثقافية والفنية وعزز في إنجاح هذه المبادرة، لما منحه من مادة فكرية وتاريخية تظهر قيمة هذا الشعار من حيث بعده التاريخي ورمزيته الوطنية، و تبين مدى الجهود المبذولة لإحياء الوعي الجماعي من خلال هذه الرموز، مما يولد حماسا وطنيا فياضا للأجيال الحالية التي تواجه أفكارا تضليلية تدس عبر الفضاء الأزرق.
ركائز رمز النبالة: الرجوع الى القيم المثلى لعبقرية شعب مكافح للاستعمار
كما تتضح أهمية الفن والثقافة كعناصر جوهرية في تشكيل الهوية الوطنية، فشعار النبالة وغيره من الشعارات الوطنية، ليست مجرد شعارات على ورق، بل رمزية متجذرة في أصول وعمق تاريخ هذه الأمة كهمزة وصل بين الأجيال المختلفة بكل ما تحمله من قيم ومبادئ أصيلة. إنها باختصار قصة كفاح شعب أبى أن يعيش تحت وطأة الاستعمار، شعب اعتمد على نفسه وحمل شعار التضحية نحو نصر مؤكد.
ويعتبر الحفاظ على رموز الهوية الوطنية واجبا قانونيا، بل قد يتجاوز ذلك ليصبح مسؤولية أخلاقية تجاه الشهداء ورمزية تاريخية ووطنية دخلت حيز الحماية المقدسة كالحفاظ على الوطن ووحدته. لذلك فإن الوعي الثقافي يلعب دورا حيويا في مساعدة الأفراد على فهم أبعاد هويتهم الوطنية، ويعزز من روح الانتماء والولاء لبلدهم في وقت يقتحم فيه الذكاء الاصطناعي العالم وقد يخلط المفاهيم ويُغيرها.
أهمية الرمز كعنصر من عناصر السيادة
إن شعار النبالة يعبر عن فلسفة الدولة ورؤيتها المستقبلية، لبناء مؤسسات الدولة الجزائرية الحديثة قوية ومتماسكة في بنيتها الاجتماعية من خلال ضمان حقوق مواطنيها وتعزيز مبدأ العدالة والمساواة.
فالشعار مكانته محفوظة داخل الأطر والنصوص القانونية التي تؤهله ليكون من بين العناصر الأساسية للسيادة الوطنية. وبذلك فإن دستور01 نوفمبر 2020 أعطاه هذه البعد القانوني والمكانة داخل النصوص الدستورية باتخاذه كركيزة مهمة في تشكيل الهوية القانونية للدولة.
ختم الجمهورية: رمز مقدس لتاريخ وهُوية الجزائر
ومن هذا المنطلق يعتبر ختم الجمهورية الجزائرية رمزا مقدسا يجسد تاريخ الأمة وهويتها فالإضافة على أنه علامة رسمية، فهو كذلك يحمل دلالة تاريخية تبين صمود الشعب الجزائري وكفاحه المستمر ضد كل أنواع الاستعمار ووقوفه بجانب الشعوب المضطهدة.، حيث يضفي هذا الختم الشرعية والمصداقية على الوثائق الرسمية، والانتماء إلى هذا الوطن بحدوده الجغرافية المرسّمة أو عبر السفارات والقنصليات في العالم.
الاحتفاء بروح الهوية والسيادة
تكريم وطني لرئيس الجمهورية ودور المجتمع المدني درع المبادرة للرئيس الجمهورية عبد اللمجيد تبون
وقد أكد السيد عبد الغني موحوش رئيس جمعية نشاطات السلام الثقافية من خلال هذه الفعالية، على أهمية التعاون بين مختلف الفاعلين لضمان نجاح المبادرة، وأشاد بدور السيد والي ولاية البويرة في دعم الحدث وتثمينه.
كما ستتوج هذه المبادرة بإهداء “درع المبادرة” لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تقديرًا على حرصه المتواصل على تعزيز رموز الدولة كركائز جوهرية للهوية والسيادة الوطنيتين. وعرفانا من طرف هيئة المبادرة لشخصيته الموقرة بما يوليه من أهمية بالغة لهذه الرموز التاريخية إيمانا منه بأنها وسيلة من الوسائل التي تنمي الوعي وتعزز روح الانتماء إلى وطننا الحبيب.
دور المجتمع المدني في رحلة البناء الوطني
وقد أشار عبد الغني موحوش، رئيس جمعية نشاطات السلام الثقافية، إلى التزام الجمعية بمرافقة هذه المبادرة وتهيئة الظروف المناسبة لتحقيقها، منوها بدور المجتمع المدني في دعم الجهود الوطنية لبناء الدولة وأعرب عن امتنانه للجهات الداعمة من قطاعات الإعلام والسياحة والفلاحة وغيرها التي ساهمت في إنجاح الحدث، معتبرا هذا التعاون نموذجا مثاليا لشراكة مجتمعية تسهم في بناء الجزائر الجديدة.
نحو مستقبل واعد يُعزز الانتماء الوطني
سيشكل الاحتفال الرسمي المقرر في 4 نوفمبر المقبل حلقة جديدة في سلسلة الاحتفاء بعيدي الاستقلال والشباب، تتويجا لمسيرة الجزائر الطويلة نحو بناء الدولة المعاصرة بسواعد أبنائها ومؤسساتها وعلى رأسها الجيش الشعبي الوطني سليل جيش التحرير وهي رسالة واضحة المعالم للمتربصين والمترصدين. هذه الفعالية التي ستشهد مشاركة شخصيات وطنية وثورية وإعلامية تتمحور في تدخلاتها على مكانة شعار النبالة كرمز سيادي، وتعبيرًا عن الدور المهم للمجتمع المدني في مرافقة الدولة بكل فخر واعتزاز نحو بناء الجزائر الجديدة التي يحلم بها شبابنا المتطلع لغد ومستقبل أفضل تبقى فيه الهوية الوطنية رابطًا أصيلًا يربط بين الأجيال المتعاقبة.
في طريق تجسيد قيم الجزائر الجديدة في مصف الأمم
ومع اقتراب هذا اليوم المشهود، يتوقع أن يجذب الحدث عديد الشخصيات الوطنية والثورية، وسيكون منصة لتبادل الأراء وتعزيزها بما يخدم مصلحة بلدنا نحو توحيد الكلمة والتشبثت أكثر من أي وقت مضى بالرسالة النوفمبرية التي هي اسمنت القلعة الحصينة للوحدة الوطنية.
إن ولاية البويرة، وهي تحتضن هذا الحدث، ستأسس لسنة حميدة سيُحتفى بها كلما أتيحت الفرصة لذلك ألا وهي رمزية شعار النبالة، ويُؤمل أن يعمم ذلك دفاعا عن هويتنا وسيادتنا الوطنية نحو بناء الجزائر الجديدة في ضل مبادئ الدستور وقوانين الجمهورية.
بقلم المحامية والناشطة الإعلامية
عمران هند هيشور