مقاربة اثنولوجية للهيكل القبلي والنسبي لعنابة ومنطقة الإيدوغ
APPROCHE ETHNO-GENEALOGIQUE DE LA REGION DE ANNABA (EDOUGH)
الدكتور بوجمعة هيشور
باحث جامعي، وزير سابق
توطنة :
عنابة جوهرة الشرق الجزائري التي ما زالت تحافظ على تلألئها لما لديها من معالم وآثار جعلت منها قبلة لكل باحث أو اكاديمي يريد التعرف على مكانتها و بعدها الحضاري الضارب في أعماق التاريخ ، فمن خلال هذه المساهمة أردت التطرق الى بعض الجوانب الاثولوجية للهيكل القبلي لاحدى أعرق و أكبر المدن الجزائرية بثرائها الثقافي و هيكلها الاجتماعي . هذه المدينة المضيافة تستحضر ماضيها المجيد بقربه وببعده لتسنطقه عن أعظم وازخر الحضارات المتعاقبة عليها عبر العصور، والتي صنعت مجدها وحاضرها.
ولعل ما يزيدنا اشتياقا للتحدث عن هيبون تلكم البصمات الخالدة التي تركتها الأعراش و القبائل التي قطنتها وجسدت بصورة قوية هوية العائلة العنابية الأصيلة و التي تفتخر اليوم بماضيها وانتسابها إلى أرقى الحضارات وازخرها منذ ما يزيد عن خمسة وعشرون قرنا من الزمن.
مدينة عنابة هذه العروس في حلتها البيضاء تصنعها لها جبال الايدوغ التي تقف شاهدة عن شماختها و شماخة أهلها المضيافون بعطائهم و کرمهم السخي لكل من جاء زائرا يحمل رسالة الحب والمودة الى هذه مدينة .
عنابة المدينة الغنية بالثقافات الشعبية ، لها من العمران الحضري ما يزيدها رونقا وجمالا تسمو في تعایش و تسامح ينبعان من اعماق سكانها الذين هم جزء لا يتجزأ من هذا الشعب المجيد في امتداد قبلي واثنولوجي .و الذي سنعرفه أكثر من خلال هذه الدراسة التي تظهر بجلاء تلاحمه الجنيالوجي والنسبي ذو البعد الأمازيغي ، العربي والاسلامي.
مقدمة:
منذ نشأتها ابتداءا من القرن الرابع والعشرون قبل الميلاد الى يومنا هذا ، تحتفظ مدينة عنابة بذاكرتها التاريخ ومازالت الأطلال تشهد على ذلك بالمراحل العظمي لمدينة طالما طالتها الغزاة فتصدت لكل الصعاب تصبو الى طريق الحرية ونصر الحضارات الانسانية.
جاءت من الضفة الغربية لأسيا ، این تلوح امواج البحر الأبيض المتوسط ، في العصور الغابرة قبيلة كنعانية هاربة من ظلم الاحتلال ، هكذا يبدأ ريني بوياك كتابه حول هيبون و بونا ، ربما يريد أن يلمح الى الفنيقيين الذين هجروا من أراضيهم إثر التعدي لأبناء يافث الأبن الثالث النوح عليه السلام الذي يعد أحد الأصول الثلاثة للبشرية ، في أواسط القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد ، و الذين استوطنوا بآسيا الصغرى وبدأوا بالانتشار على ربوع و ضفاف البحر الأبيض المتوسط.
ومن المعروف أن الفينيقيين وجدوا بموريتانيا في القرن الحادي عشر قبل الميلاد ، ولكن قبل هذا التاريخ ، كان يعيش بهذه الضفة شعب متحضر ترك آثارا حقيقية منها الجدران الكبيرة ، وبعض الآثار الأركيولوجية . ومما لا شك فيه أن هذه الجدران ما هي الا أرصفة فينيقية . ولقد هاجر المصريون القدامى مع الأفواج الأولى التي جاءت زاحفة من الشرق نحو الغرب وشيدت حضارات بها منذ القرن العشرين قبل الميلاد .
Abstract:
Depuis sa fondation dès le XXIVe siècle avant J.C à nos jours, Annaba recèle toute une mémoire dont l’histoire en gardes les vestiges des grands moments d’une cité tant convoitée par les conquérants et qui résista tout au long des épreuves dans sa marche triomphante des civilisations humaines.
“Sur les rives occidentales de l’Asie , que baignent les flots de la Méditerranée vient s’établir, dès la plus haute antiquité, une tribu chanaanéene chassée des steppes de l’intérieur par une évasion étrangère” c’est ainsi que René Bouyac commence son ouvrage sur Hippone et Bône. Il veut parler certainement des phéniciens qui, chassés par les Arias Japhetiques, vers le milieu du XXIVe siècle avant J.C vinrent s’établir en Asie Mineure et de là rayonnèrent sur toute la Méditerranée, vinrent fonder des colonies sur toutes les côtes de cette mer.
Les phéniciens étaient venus en Mauritanie , au XIe siècle avant J.C, mais avant cette époque, cette côte était habitée par un peuple civilisé qui a laissé des traces indéniables telles les murailles cyclopéennes et d’autres vestiges archéologiques.
Sans doute cette muraille n’est autre qu’un quai phénicien. Les Egyptiens, les Arias primitifs ont émigré de l’est vers l’ouest et y construirent un monument et des civilisations.
Abstract:
Since its foundation from the XXIVe century before J.C to our days , Annaba harbors all a memory whose history guard some vestiges of the great moments of a city so coveted by conquerors and that resisted all to the long of tests in its triumphant step of human civilizations.
‘On western banks of Asia, that bathe waves of the Mediterranean comes to be established, from highest antiquity, a chanaanan tribe hunted of steppes of the interior by a foreign escape” thus it is that René Bouyac begins its work on Hippone and Bône . he wants to speak certainly the phéniciens that, hunted by a Japhetics Aria , to the middle of the XXIVe century before J.C came to be established in Asia Minor and from there radiated on all the Mediterranean , came to base colonies on all coasts of this sea.
The phéniciens had come in Mauritanie, to the Xle century before J.C, but before this period, this coast was resided by a civilized people that has left undeniable traces such wall them bigs and others archaeological vestiges.
Without doubting this wall is other only a quay phénicien. Egyptians, primitive Arias have emigrated eastern to the west and there erected a monument and civilizations.
تعتبر الاثنولوجية علم المجتمعات التقليدية بما يعكس اصول جذورها ونمط حياتها ، وملامح من حفريات أثرية لمواقعها ، وكل جوانب تمس العادات والتقاليد للمجتمعات ، وفي منطق هذه الدراسة ابستيمولوجيا فان المنهج التاريخي يصبح شيئا ضروريا لانه يضع مسالك مرور الانسان كموضوع دراسة في كل التحولات التي عاشها طيلة الحقب التاريخية. ولهذا يتاكد لنا أن الهوية الوطنية ترتكز على ثلاثية الجذور الأمازيغية ، و الاسلامية والعربية ، التي تسمو في منضور حيوي يتاقلم ومستجدات العصر.
آن دراسات ابن خلدون وما جاء به من عمران يدوي وحضري أرشدتنا الى كثير من الجوانب التاريخية لبلادنا سواء قبائل الرحل من المشرق مثل بني هلال وبني سليم و المرابطون الذين يعتبرون من أكبر رحل الصحراء و الفاطميون الذين هم فلاحو منطقة قبائل الحضرة ( بنو كتامة) والذين أسسوا مدينة القاهرة والإسكندرية ، وكذلك الموحدون الذين يقطنون في أعالي جبال الأطلس.
اذا كان التطرق الى مفهوم البدو والأعراب و الرحل شيء هام فان الأهم هو دراسة الهيكل الاجتماعي القبلي ، فلنذكر أن القبائل البربرية ، قد قامت بالفتوحات الإسلامية بقيادة طارق بن زیاد وذلك في الأندلس حيث استقرت أكثر من ثمانية قرون فكانت أساس النهضة الفكرية للغرب، وادا استقرأنا ما كتبه ابن خلدون نجده يحلل بدقة البعد الهيكلي الاجتماعي والسياسي للمغرب الوسيط ، وتعتبر محاولة لدراسة سوسيولوجية حضرية وريفية ، والشيء الذي يهمنا هو التطرق هذه المرة الى مجموعة عناصر حول منطقة عنابة في مدار الرمزية النابعة من جنيولوجية الأمة الجزائرية ومن هنا سوف نتطرق الى أعراش ايدوغ ( عنابة ، القالة ، سدراتة ، سوق أهراس) من خلال تجانس اثولوجي متصل بجذور تاريخية تظهر وحدتنا وأصالتنا.
عنابة الفينيقية الأندلسية:
سنرى التطور الذي طرأ على تسمية هيبون الى بونا ثم عنابة، لنعرف دلالة هذه التسمية ومن خلالها اسم المدينة ، فتاريخا القديم يثبت بانها كانت مركز اشعاع حضري منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد أین أسس الفينيقيون Hippo التي أصبحت تسمي بعد ذلك Hipparegins ثم Bone وعنابة والتي تعني Hippo بمعنى الحصان ، كما أن كلمة Ubhou تعني الخليجو و Ipo تعني جميل بالفينيقة ، كما أن المرافق التجارية لهبون يعود تاريخها الى الفترة الفينيقية وكان كل المعاني التي تبعت الى الجمال و الشماخة تجسدت في هذا الاسم.
ويقول الكاتب Ptolémée وكذا كتاب آخرون أن اسم المدينة هو فينيقي الأصل ، فموقع المدينة الموجود بين مرتفعين كأنهما أذنين لرأس ذو شعر طويل تجسد رأس حصان. أما كلمة Bone فاغلب الضن أنها تطور لغوي لكلمة Hippone ، ويقول الدكتور Shaw ” بونا دون أي شك هي تقصير لكلمة هيبون ” أما الكتاب العرب الأوائل فكانوا يسمونها مدينة سیبوس و مدينة زاوي ، فكان البكري عندما يكتب بونا يضيف اليها كلمة الحديثة ، أو الجديدة .
وابتداء من القرن الرابع عشر للميلاد استعملا كل من ابن خلدون وليون الأفريقي المدعو الحسن ابن محمد الوزان لفظا بونا و بلاد العناب والذي سميت به عنابة الى يومنا هذا. أما الأسطورة التي تتداول داخل عنابة ان اسم ها يعود الى المرابطة التي عاشت في القرن الحادي عشر والتي كان اسمها ” لالة بونة “.
عنابة النوميدية :
اسست هيبون في القرن الحادي عشر قبل الميلاد من طرف الفينيقين ، كما أسسوا قرطاج ، ومرسيليا حسب بعض علماء التاريخ ، ولكن تاريخ الحروب البونيقية ، والتي دامت أكثر من قرن من 264 الى 146 قبل الميلاد فتكت بالمنطقة وجعلتها وديانا من الدماء والحطام
عندما أعلنت الحرب بين روما وقرطاج كانت اشارة الى نهاية وتفكك الجمهورية التجارية الأفريقية ، ووقوع كل الممتلكات في أيدي الغزاة . وكان يعيش في جنوب هيبون تريبيس Tribus الذي كان معروفا باسم بربر أو مزيغ ، وسموه الرومان Illavatin أو Imoschach.
كان النوميديون تحت سلطة المسيل من الغرب والمسيسيل من الشرق ، فالغربيون أتخدوا عاصمة لهم زامة وقيرطة أما الشرقيون فكانت عاصمتهم سيقا الموجودة بالتافنة . ولقد أهتم الملك قاية بهيبون وأراد أن يجعلها عاصمة لماسيليا اثناء الحروب البونيقية الأولى مابين 264 و 241 قبل الميلاد.
في الحروب البونيقة الثانية (218 – 201 قبل الميلاد ) ، نزل الرومان ابتداء من سنة 207 قم بهبون ، وأعطوا اسم Reguis لمسينيسا ملك نوميديا الذي كان يتخد هيبون مسكنه المفضل. فمسينيسا التجا الى هيبون ولكن كان سفاقص قد تمكن من الاستلاء على هيبون تحت لواء قرطاج ، في عام 204 ق.م ودعمه أستربعل الذي زوجه ابنته و التي كانت موعودة لمسينيسا.
في الحرب البونيقية الثالثة ( 146 ق.م ) استولى سيبيون الأفريقي ومسينيسا من جديد على مدينة هيبون . وبعد وفاة مسينيسا خلفه ابنه ماصيبسا الذي جعل من مدينة هيبون عاصمته الثانية بعد قیرطة . وبعد وفاته انقسم المملكة الى قسمين بين هيمصال وادربعل الأخوين من جهة وابن عمهما يوغورطة من جهة أخرى . وبعد خلاف كبير بينهم ، قتل يغورطة دربعل في معركة طاحنة دارت ما بينهما ، فجعل يوغرطة هيبون عاصمة له وتخلى عن قرطة ، لكن سرعان ما انهال عليه الرومان فتصدى لهم سبعة سنوات ، وسقطت مدينة هيون في يد الرومان التي جعلت من يوبا ابن هيمصال ملكا لنوميديا ، وأصبحت هيبون مسرحا للاستعراضات المصارعة التي يقيمها القيصر ضد بومباي .
هیبون مدينة القديس أغوستين :
لا يمكنا التكلم عن مدينة عنابة دون التطرق الى المرحلة المسيحية و التي كانت مابين 240 ق. و 640 للميلاد لتبين بتلك المدة الطويلة للديانة المسيحية التي كانت جد منتشرة بافريقيا.
وقد ولد القديس اغوستين بتاغاست بسوق أهراس عام 354 ، وكان من أوائل الأساقفة هناك ، وكانت ثاني محطة لأغوستين هي مدينة هيبون التي ذهب اليها زائرا فوجد نفسه قاطنا بها لسنوات ، وكان ذلك عندما ذهب إلى الكنيسة لصلاة الأحد وكان في تلك الكنيسة الأسقف فاليريوس وكانت لاتنيته ناقصة فاستجد باغوستين الذي خلفه بعد ضغوطات كثيرة الذي قبل ولكن اشترط أن تعطي له قطعة أرض لينشئ تجمعا دينيا خاصا به بمدينة هيبون ، وبعد ما تاتي له كل ذلك عاد إلى سوق أهراس – تاغاست – وباع كل ما كان يملك هناك ليستقر نهائيا بهبون بعد ما أصبح أسقفها.
وكانت المسيحية مهددة آنذاك من طرف المتطرفين مثل ” دونات البربري ” الذي قضى عليهم وخلص المسيحية من أفكارهم . وعند وفاته يقال أن نعشه أخد من هيبون الى قفصة و دوقا بتونس ثم الى سردينيا ثم الى ميلانو هناك ليصبح قبره قبلة للمسيحيين الى يومنا هذا.
طقوس ومعتقدات السلف
منذ القدم وحتى سومنا مازال يقام عيد ” لالة بونة بنت الحمرة ” وهذا الاسم أطلق من طرف العرب على أطلال هيبون ، أين يعتقد أن امرأة صالحة تحمل هذا الاسم دفنت بهذه المنطقة . ففي النهار تنبح فيه الديكة كقرابين والتي يكون لونها أحمر ، ولكن ما أن يرخي الليل سدوله وذلك في عهد الزنجيات التي تروح الى تحضير الكسكس في جو من النقر على الطبول بما يسمى بالنشرة ، وتتزداد الدقات على الطبول سرعة حتى التخلص مما يجوب بالخاطر من هموم ومشاق .
الراقصون والراقصات يسقطون من التعب المترتب عن الرقص السريع ، في ضوء الشموع والفنارات و يبقون على هذه الحال حتى بزوغ أول ملامح الفجر و الصباح .
وتبقى مدينة عنابة متشبثة بهذه العادات الى يومنا هذا وحسب انتمائها إلى أحد الزوايا الموجودة خاصة العيساوة ، اين يغلب عندها الذكر في طبوع ملوفية بحثة.
فموقع مدينة عنابة وثراوتها وجمال ازقتها ولطافة مناخها ، جعلت الأندلسيين يحلمون بها ، ليشعروا ويتغنوا بسحر النوبات والموشحات الأندلسية .ان عنابة النوميدية ، التي هجر اليها المورسكوس ( mauresques ) بعد سقوط غرناطة ، ومحاكم التفتيش أصبحت ملجا لمختلف القبائل وخاصة تلكم الآتية من القل وجيجل وتبسة وقالمة والصحراء وسطيف.
وحسب قانون senatus consults لعام 1863 فان الأسماء التالية : راس الحديد، (بني محمد ) ، تريعات ( عبد السلام) شركة (صنهاجة بني مروان ) ، عين نشمة (جندل ) الوشاوة ( الوشاوة ) طبايقة (ولاد عطية) واد الحوت ( أولحاسة) ، شورفة علمة ( علمة رقاقمة واولاد سالم ( بني صالح) الذين ينتمون الى اولاد شايب واولاد احمد ، اولاد شافية ، مرداس (بسباس ) ، طريحة والدرامنة ، فكل هذه القبائل انن تقطن بعنابة ، ويوجد اربع مجموعات ايضا : قبيلة بني أحمد ، وفج موسى ، قبيلة تريعات و اولاد عبد السلام ، قبيلة الصنهاجة ، وبني مروان قبيلة عين النمشة ، ( المسمات بعرش جندل ) ، قبيلة ولاد عطية والوشاوة ، ودوار ولاد الذي يشكل اقليم العرش القديم لقبيلة تريعات ( شطايبي ، جبل ايدوغ و سرایدی ) دوار عين نمشة القبيلة القديمة الجندل وعلمة، كرشة اللذان يعتبران من الأعراش القديمة لمدينة العلمة ، شرفة ، راس الحديد ، بني محمد ، اما اولاد الحوت فهي قبيلة قديمة الولحاسة الشرفة ، قبيلة صنهاجية قديمة .
مدينة عنابة محدودة من الشمال بالبحر الأبيض المتوسط و من الشرق الشطايبية و من الجنوب وسرايدي وعين أم الرخی ( برحال) والنشمية ورمضان جمال عزابة وقالمة ، أما من الناحية الغربية فنجد مدينة سكيكدة كان يرأس هيبون في سنة 393 Aurelus أسقف قرطاج وقد حضر القديس يوحنة Augustin والقي خطابا عن الايمان والرمز ، حيث عين في سنة 395 كخليفة لفاليريان Valerien وكان هذا الأخير بمثابة القديس الأول لنوميديا. وبمجيء القديس Augustin وضع حدا للقمع الذي كان شائعا آن ذاك ، في نهاية 426 جاء الوندال ودمروا المدينة ما عدا الكنيسة التي يوجد بها ضريح القديس Augustin وكذا مكتبة الكنيسة التي لم تصلها النيران.
آن جبال الايدوغ تطل على عنابة بيضاء ناصعة ، بسبب الثلوج التي تتراكم وتمتد الى غاية خروج فصل الشتاء ، هذه الجبال كانت تعيش فيها قبائل بربرية يعود أصلها الى عرش المصمودة ، وكانت مدينة عنابة مركز تجاري يعمل فيه الأندلسيون ، ( کاتالان : catalans ) . وفي سنة 909 للميلاد أسست المملكة الفاطمية التي يتشكل جلها من بني كتامة ، وبمجيء الهلاليين تطوارت مدينة عنابة وعرفت ازدهارا في شتى الميادين.
وفي عام 159 اللميلاد وضع عبد المؤمن عنابة تحت حمایته و صد كل الغزوات الأوروبية : وكانت للكتالان catalans منذ 1100 ميلادي علاقات وطيدة مع حكام عنابة ، خصوصا أنه كان يسمح لهم بالصيد في الشواطئ العنابية ، وعرفت هذه الفترة بنایات سميت بالفنادق كانت تستقبل تجار معظم الدول التي كانت لها علاقة مع بلدان البحر الأبيض المتوسط ، وكانت هذه الفنادق تام رجالا من نفس الجنسية ، تقسمهما جدران تفرقها هذه عن الأحياء العربية وكانت لها قوانين داخلية ، تسير بها وتخضع لها.
ويوضع كل فندق تحت الحراسة السامية لقنصل دولته، وكان لويس الحادي عشر أول ملك لفرنسا قد كتب رسالة للسيد عبد الله محمد مسعود ابن أبي عمار عثمان حاكم عنابة يعلمه فيها بموت شارل الثالث D’ANJOU وفي 4 أوت 1534م ثار سكان مدينة عنابة ضد حاكم تونس وطلبوا مساعدة خير الدين وبابا عروج في وقت كانت فيه القرصنة البحرية تسيطر على البحر الأبيض المتوسط وكانت آنذاك عنابة تحت الحكم العثماني ، ثم جاءت بعد ذلك غزوة شارلوكان Charles Quint علما بان عنابة كانت تحت السلطة الاسبانية من 1535الى 1540 وكانت هناك مراسلات بين Charles Quint و حاكم عنابة ، وعند وفاته أعيدت عنابة للأتراك لكن سنة 1520 اسس الفرنسيون موقع تجاري لصيد المرجان وتجارة الجلود والصوف ليهدم الأتراك هذا المرفع عام 1551م
وفي الفترة ما بين 1783و 1829 انتشر مرض الطاعون الذي فتك بمعظم سكان منطقة القالة ووصل عند الموتي يوميا الى عشرين ، وفي سنة 1807 حاول الانجليز الاستقرار بالقالة وجعلها ساحة تجارية عوض مخزن الحبوب لكن لم توف رغبتهم وبقوا في مدينة عنابة إلى غاية 1815. وعند مجيء الغزو الفرنسي فرض ابراهيم على بن رقوتة الإنسحاب ووضع مكانه بن عيسي الذي كان مساعدا للحاج احمد باي قسنطينة وبوابة عنابة عن طريق مسجد صالح باي الذي شيد سنة 1775 لينير ماضيها الاسلامي العربي بعد هذه اللوحة التاريخية الجد مختصرة نعود الى البنية القبلية لما سمي ببلدية ايدوغ المختلطة : ‘ edugh.Commune mixte de l.
أصول أعراش مدينة عنابة :
الشيء الذي يمكن قوله عن أصول قبائل عنابة ، ينحصر من خلال معرفتنا بالدواوير المحصاة عن طريق senatus consults و التي تتمثل فيما بلی.
عین نمشة : تتربع على مساحة قدرها 5300 هکتار وهي قبيلة قديمة تعود الى جندل من أصل بربري يعيش معها أناس أتوا من القل ، وقد كانت هذه القبيلة مرتبطة بزاوية الرحمانية وكانت تنقسم الى ستة أفواج هي : أولاد زيادة، أولاد دراج ، الأوشني الشرابة ديور ، واولاد عطية
علمة كريش : قبيلة قديمة من العلمة تتربع على مساحة 10530هكتار جزء منها جاء من العلمة وسطيف وجزء آخر جاء أتي من قبيلة بني قايد ( جيجل) من أصل بربري وعربي ، تتكون كسابقتها من ستة أفواج هي : أولاد بومن ، المجابرية ، كبايح ، بني حمزة ، بهيل.
شرفة فتزارة: قبيلة قديمة تعود الى الشرفة تقطن في مساحة قدرها 5515 هكتار وقد اتت هذه القبيلة من الجنوب وأصلها عربي تكونها خمسة أفواج هي: سيدي شعلب ، اولاد عطاء الله ، مروان فايد داي ، باي ، بن عطية
راس الحديد : قبيلة قديمة تعود الى بني محمد تتربع على مساحة 13077 هکتار اتت متفرقة من المغرب الأقصى من ناحية القل ومن قبيلة قديمة تعود الى السعادة البربرية ، وكانت تتكون من احدى عشر فوجا: سقع ، بن قش ، جلاب ، قرمية ، شمشارة ، دار جدري ، موالد ، شكاكة ، الرزاف ، اولاد سعيد سوالة ، طربة .
واد الحوت : قبيلة قديمة تعود الى صنهاجة تتربع على مساحة قدرها 4895 هكتار وهي متكونة من ثلاثة أفواج أتت من وهران وهي : واشتاتلة ، العلمة ، كونانزة .
الشركة : بفتح الشين وسكون الراء ، وهي قبيلة قديمة تعود هي أيضا الى صنهاجة وتتربع على مساحة 8945 هكتار تتكون من ثمانية أفواج هي : أولاد هالة ، الرزمة ، كبالبة ، زواغ ، اولاد الغوار ، لالميغة ، كروانة ، كبايلي.
قبيلة التريعات : تقطن في مساحة 7816 هكتار وتنقسم الى ستتة أفواج هي : أولاد أحمد لاسشه ، زيتونة ، حونارج، اولاد محمد ، العمامرة ، ( من الأوراس )
قبيلة بني مروان : تتربع على مساحة 2720 هكتار أتت من القل ، ويوجد في القبيلة ثلاثة أفواج : جنان ديب ، عين شمة ، مدودة (دوار البقرة).
قبيلة أولاد أعطية : ( دوار طبيقة) تتربع على مساحة 16100هكتار اتوا من القل ، ويوجد في هذه القبيلة زاوية مهمة این كان يسكن المرابط المسمى سي بلقاسم بن شعاب الأتي من الرحمانية وتتكون القبيلة من خمسة أفواج هي : طبيقة ، الطاهر ، طبقة قرشی ، الصنهاجة ، علمة ، وعين اعلاف.
قبيلة وشاوة : تسكن على مساحة 23040 هكتار و كان المرابط سي بلقاسم بن سعيد من زاوية الشاذلية له تأثير على كل عنابة و سكيكدة و تنقسم إلى إحدى عشر فوجا: لقرارة من ولاد الحاج ، حجاجة ،الفرحاونية ،عين شاوة ، شكاكة ، حلالة الخريصة ، أولاد زايد ، عرب حايلة ،روناشد.
القالة : في وقت الاستعمار كانت مكونة من قيادتين ، قيادة ولاد الكبير التي تضم دوار الصوارخ ، خنقة عاون ، اولاد يوب ، ناهد ، اولاد عمور بن علي و اولاد علي عشسشة. وقيادة بوحاجو التي تضم اولاد مسعود شعابنة و اولاد ناصر . كل هذه القبائل شكلت القالة ، الصوارخ ، ناهد ، توجد أمامهم الخمس ، اولاد يوب والخنقة عون موجودون أمام بني مازن ، ويجاور اولاد علی عشيشة ، اولاد علي مفادور أولاد ناصر اعمر وبني علي تجاور المراسن الشيل بنة ، واولاد مسعود بجوارهم الوشتاتة.
تقريبا معظم القبائل الموجودة على حافة القالة ما عدا اولاد مسعود والشيابنة شكلت فيما سبق جزءا من القبيلة الكبيرة لناهد ، التي وضعت كل المجموعات القبلية تحت اسم واحد منذ القرن الحادي عشر ، أما في القرن السابع عشر فان كل الأعراش المشكلة للقالة كانت تنتمي الى الأحرار وهم نبلاء الحنانشة التي تمتد سلطتهم الى تبسة وما كانت قد خضعت الا بمجيء الأتراك
الصوارخ : تتربع على مساحة قدرها 7370 هكتار ولقد كانت تمثل جزءا من القبيلة الكبيرة ناهد ، وكانت هناك مساجد عرفت باسم جامع سيدي بن تریبش وجامع سيدي بومنجل ، أين كانت تقام
الزردات .
ناهد : متكونة من العواوشية ولخضر تسكن في مساحة 11406 هكتار.
خنقة عون : تتربع على مساحة 8299 هكتار أتت من بريكة ، وهي قبيلة أولاد عيد يعود أصلهم الى العريدي الذي جاء واستقر ما بين وادي توجر والعكيرة ، السباكر: جزء منها يعود الى اولاد عريد والجزء الأخر يعود الى اولاد علي عشيشة ، فالسباكر كانوا يعيشون من قبل في منطقة سمالة الطارف.
اولاد يوب : تتربع على مساحة 7377 هكتار كانوا تحت قيادة القائد كبلوتي الذي شجعهم ودفعهم للتصدي للفرنسيين سنة 1871.
اولاد عمار بن علي : يتربعون على مساحة 15000 هكتار يعود أصلهم الى أولاد دياب ، وابن مثير وهو آخر شيوخ اولاد دیاب تحت السلطة العثمانية قد قام بوضع ولاد عمار بن علي في الطارف التي كان فيها المرابطان : سيدي علي نغار وسيدي بوداود.
اولاد ناصر : يتربعون على مساحة 12000 هكتار يعود أصلهم الى اولاد دیاب ، ولقد كان سيدي طراد الذي عاش في فترة 1680 ، وهو جد بلعباس الذي كان يحكم ضواحي القالة عام 1744. ويقال ان الوالي سيدي طراد كانت له بعض العصائب اذا أخدنا بالأسطورة التي التي أحيطت به حيث كانت تتههافت عليه الزيارات ، الى جانب الأولياء والصالحين مثل سيدي عمار وسيدي مروان.
اولاد على عشيشة : يترعون على مساحة 8000 هكتار من اصل تونسي وهي احدى قبائل اولاد علي مفادة ، في سنة 1871 هذه القبيلة قامت بالانتفاضات ضد المستعمر بتشجيع شريف والقايد کيلوتي ..
الشيابنة : تتربع على مساحة 15000 هكتار كانت لهم عادات عربية ، وقد اتوا من كل أنحاء البلاد ، وفي سنة 1871ثاروا ضد المستعمر الفرنسي
قبيلة وشاوة : تسكن على مساحة 23040 هكتار وكان المرابط سي بلقاسم بن سعيد من زاوية الشاذلية له تأثير على كل عنابة وسكيكدة وتتقسم الى احدى عشر فوج: لقرارة من ولاد الحاج ، حجاجة ، الفرحاونية ، عين شاوة ، شكاكة ، حلالة الخريصة ، أولاد زاید ، عرب حايلة ، روناشد.
اولاد مسعود : يتربعون على مساحة 20000 هكتار في منطقة السمالة بوحجر يعود اصلهم الى الحنانشة الذي يوجد مقرها في سوق اهراس وقالمة جاعوا اليها سنة 1876
سوق أهراس : هي منطقة توجد فيها الآثار الرومانية يعبرها راد مجرة ، الذي يمر بالجهة الشمالية للعويلان ، يتربعون على مساحة 184599هكتار حسب senatus consults وكانت توجد فيها الدواوير التالية : زارورية ، عويلان ، خدارة ، اولاد مومن ، حدادة ، عرب الحيس ، اولاد زاید ، اولاد بشيش ، اولاد طالب ، اولاد خالد، اولاد ترودي ، حمانة ، عرارة اولاد سوکیاس ، بني بربان ، سیايدة ، مراحنة
قبيلة ولاد خيار : الحمامنة، العرعار ، اولاد سوکیاس بنی بربار ، عیایشة، مراحنة، زعرورية ، حنانشة من أصل بربري ، كل هذه القبائل كانت تحت سلطة الحنانشة وهي من أكبر وأقوى القبائل في الجزائر . واذا نظرنا الى شساعة المساحات التي تتربع عليها عرفنا أهمية هذه الأعراش و كبرها : عويلان 14600هكتار، أولاد مومن 7900 هكتار ، خدارة 14400 هكتار ، حدادة 8601 هكتار ، حمانة 23000 هكتار ، أولاد سوکیاس 16200 هكتار ، بني بربار 16000 هكتار ، عيايدة 8000 هكتار ، عرارة 5000 هکتار مراحنة 7000 هكتار ، أولاد دریس 7550 هكتار ، اولاد بشياح 12200 هكتار ، أولاد زاید 8000 هكتار أولاد تروي 9500 هكتار ، اولاد خالد 5500 هكتار ، اولاد طالب 5000 هكتار ، زرورية 16142 هكتار
سدراتة : من المؤكد أن سدراتة كان يقطنها الرومان ، غداة موت يوبا سنة 42 قبل الميلاد ، وتوجد فيها اطلال تاريخية مثل أمداروش المادونة القديمة وخميسة (Thubutsi cum Numido cam ) انها منطة الاثار الرومانية الكبرى ، والمسالك الكبرى التي ربطت قرطاج بالقيصرية Cesaree ان سكان صدراتة هم من أصل شاوي ( الحراكتة ، السلاوة، والمشاتلة ) تقع على بعد 45كلم من عين البيضاء ، و 54 كلم عن سوق أهراس ، و 65 كلم عن قالمة ، وتحتوي سدراتة على الدواوير التالية :
دوار رزيز: في مساحة قدرها 24743 هكتار من أصل حراكتي. أم أولاد هيم: في مساحة 21192 هكتار ، من أصل خرارجة ، شراقة مع التراقمي : 24469 هكتار ، عين سنوب : 17560هكتار ، من أولاد سعيد ذوي الأصل الحراكتي ، الذين ثاروا في سنة 1852 منذ المستعمر الفرنسي
، تحت قيادة الحاج عیسی. بني وجانة : 13933 هكتار ، اولاد خنفار والحلراكتة وسدراتة 25267 هكتار من خرارحة حراكتة.
وفي الأخير يمكن القول بان البحث في التاريخ يزيل الستار بابتعاده عن الخلفيات والأحكام المسبقة ، فالطرح العقلاني هو أحسن طريقة للوصول الى الغاية التي تتجسد في الحقيقة التاريخية ومجريات الأحداث بعيدا عن المزايدات والمضاربات التقربية ، يجب اذن الرجوع الى الثقة بالنفس لمعرفة المظاهر الحقيقية التي تثير البحث في هويتنا الوطنية ، حيث أن أمتنا بقدر ماهي متنوعة الطرح في المجال الثقافي فهي وحدة في البعد الروحي والجغرافي و التاريخي والا تنلوجي وكذا اللغوي.
فالثورة التاريخية التي يرتكز عليها المغرب المتوسطي تجعلنا نبحث عن جذورنا التي هي عميقة البعد، فان القبيلة والزاوية يجسدان المنضور الاجتماعي من خلالهما استطاع الأمير عبد القادر الجزائري ان يبني الدولة بمؤسساتها وعلاقاتها الاجتماعية ، الاقتصادية و السياسية .
من خلال منطقة عنابة وضواحيها نكون قد تعرفنا ولو بقدر قليل على أهم المنحدرات لشجرة الأعراش التي تشكل جذعا قائما نستمد منه جذور أجدادنا وهويتنا الوطنية.
بقلم الدكتور بوجمعة هيشور
باحث جامعي وزير سابق
المراجع:
- Histoire de Bône – par Ené Bonyal : édition 1891
- Bône son histoire, les histoires par tous-Arnaud.
- la calle et son histoire par le syndicat initiative du tourisme.
- Souk -Ahras – par Léon Deyron. 5- Revue africaine d’archéologie tome 17.
- Ibn Khaldoun par Yves Lacoste. 7- Généalogie Générale, Encyclopédie de La Pléiade Jean Poirier
Gallimard 1968.