بقلم الدكتور بوجمعة هيشور
باحث جامعي، وزير سابق
فتح العالم عينيه على واحدة من أبشع عمليات الإبادة الجماعية التي يرتكبها الصهاينة في حق الشعب الفلسطيني في غزة والتي لم تشهدها الإنسانية منذ الحربين العالميتين.
نستذكر اليوم ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 المجيدة في عيدها التاسع و الستين في ظرف جيوسياسي مضطرب بالنزاعات و الحروب.
يبدو أن التوازنات بين الدول العظمى مضطربة في وقت تطفو فيه القضية الفلسطينية على الساحة الدولية من جراء الابادات الانسانية التي يرتكبها الكيان الصهيوني أمام أعين العالم و بمباركة ومساندة من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا .
القصف الهمجي للمدنيين الأبرياء العزل لم يتوقف وكانت حصيلة مستشفى الأهلي العربي جد مرتفعة بأكثر من ثلاثمائة ضحية معظمهم من الرضع و الأطفال و النساء ، لقد عرف قطاع غزة وابلا من الصواريخ جعلت من أحياء بأكملها ردما وحطاما.
بينما تعالت المظاهرات في أنحاء العالم منددة بهذا العدوان الغاشم في حق الأبرياء .
إن الهجمات التي قامت بها حماس المقاومة دفاعا عن الوطن أبطلت كل الحسابات الهادفة لتغيير خارطة الشرق الأوسط و بدلت في موازين القوى ، فلا اتفاقيات أوسلو ولا حتى الابراهيمية منها بامكانها أن تبيض الاستعمار السالب لأرض ووطن الشعب الفلسطيني الأعزل ، فالمقاومة ستنتصر في الأخير و لا خير في من خذل القضية من المطبعين .
أما الحرب في أوكرانيا جاءت لتقسّم العالم ووضعت روسيا في مواجهة غير مباشرة مع أوروبا و أمريكا فكان لها أثر على العلاقات الدولية وجعلتها على صفيح ساخن كما كانت عليه قبل الحرب الباردة. ولا ربما بروز الصين على الساحة الدولية سيكون له أثرا إيجابيا لإيجاد مخرجا للقضية الفلسطينية نحو تقرير المصير.
فالجزائر التي تقف دائما مع إخوانها عبرت على موقفها الراسخ ووقوفها مع القضايا العادلة و لا سيما القضية الفلسطينية التي تعتبرها ثابتا من ثوابت الأمة ، كيف لا و هي مثال حي كونها خاضت معركة نضال متشابهة و مماثلة فلم يكن للشعب الجزائري بديلا وحلا سوى المقاومة لتحرير الوطن ، هذه الثورة المظفرة التي وضعت حدا للوجود الاستعماري ليس في الجزائر فحسب بل استلهمت منها دول أخرى خاصة في أفريقيا.
التحدث عن مقومات الدولة الحديثة التي أسستها ثورة نوفمبر بعد مواجهتها أكبر و أعتى القوى العسكرية الاستعمارية ، فمن البديهي أن نعود إلى تاريخ وعهد الحركة التحررية الوطنية من أجل معرفة العناصر الأساسية المكونة لتاريخنا المعاصر.
ونحن ننحني لذكرى شهدائنا الأبرار الذين سقطوا في معركة الشرف ، يفرض علينا ارتباطنا بالمثل العليا للسلام والحرية تمجيد بكل فخر واعتزاز مقاومة أجدادنا وآبائنا للاستعمار الغاشم . هي إذن قصة كفاح حررنا من قيود المستعمر نحتفل به اليوم في هذه الأرض الطاهرة موطأ الإنسان الحر.
ولا شك أن لكل واحد رؤيته للأشياء أمام هذا الغليان و التضارب الفكري ، ففي سياق جيوسياسي تميز بنظام عالمي جديد تلعب فيه الطاقة دورا جوهريا في التحكم وتحديد التوازنات الداخلية والخارجية للأمم ،في خضم هذا الصراع الطاقوي تحتفل الجزائر بهذه الذكرى وهو تاريخ لا ينسى كتب بأحرف من ذهب في صفحات تاريخنا المعاصر.
ومن أجل السماح للأجيال الصاعدة معرفة كل المفارقات و التباينات فنحن مطالبين بتفصيل كل هذه الكرونولوجية للأحداث نحو حوار سياسي شفاف وواضح، هادئ باشراك الجميع مستوحى من التضحيات الكبيرة والجسيمة لشعبنا الذي دفع ثمنا لاستقلاله مليون ونصف مليون من الشهداء الأبرار.
لا يمكن لأحد أن ينسى ظروف الفقر والجوع والإذلال والتمييز والمصادرة و السلب التي أنتهجه الاستعمار في حق شعبنا الأبي ، وقانون الأهالي الذي يقوم على العنف ونكران العدالة فرضته السلطة الاستعمارية الفرنسية منذ وطأت أقدامها ولطخت ترابنا الطاهر .
لقد بلغت نسبة الأمية ذروتها حيث حرم أكثر من 90٪ من “الأهالي” من دخول المدارس أما ما تبقى فكان لا يسمح لهم بتعدي مستوى شهادة التعليم الابتدائي. فالجهد كل الجهد جاء من الجهة المقابلة من بعض مدرسي القرآن الكريم في الزوايا وفي بيوت مؤقتة كالأكواخ. بيما فيها جمعية العلماء التي أنشأت في جميع أنحاء البلاد مدارس خاصة على غرار مدرسة بن باديس في قسنطينة.
وكانت هناك أيضا مدارس إضافية مكملة مثل الكتانية يشرف عليها حزب الشعب الجزائري الذي أصبح بعد ذلك حركة انتصار الحريات الديمقراطية ، وقد شهدت العديد من مناضليها الذين أصبحوا رؤساء للدولة بعد الاستقلال على وجه الخصوص محمد بوخروبة المدعو هواري بومدين وعلي كافي …
لقد تبلورت فكرة المعركة السياسية بعد الانتفاضات الشعبية المعادية للاستعمار من قبل الأمير عبد القادر حاج أحمد باي، الشيخ المقراني، وبلحداد، الشيخ بوعمامة والزعاطشة ، أولاد سيدي الشيخ … أدت كل هذه الثورات إلى ظهور وطفو إلى الساحة النخب السياسية بدءا من الأمير خالد الذي أرسل في أفريل 1919 في السرية المطلقة مذكرة إلى الرئيس ويلسون طالبا من مؤتمر السلام أن يضع الجزائر تحت وصاية هيئة الأمم في المستقبل .
فبعد صحيفة الاقدام ، انشأ حزبه “الأخوة الاسلامية ” في روح الإسلام ” الشباب الجزائريين.” وكان الأمير خالد يتحدث بلغة الشعب كثيرا ما تحضر في أقواله الأمثال الشعبية. كان يعطي أفكارا من برنامجه مثل : شبكة المدارس الحرة، الصحافة باللغة العربية، وتنظيم المهاجرين في فرنسا إلخ ..إلى أن فرضت عليه الإدارة الاستعمارية المنفى الطوعي إلى الإسكندرية ثم دمشق.
وقد تخلت عنه النخبة الجزائرية الشابة التي كانت تخشى فيه الرجل المنافس الذي يتمتع بكاريزما وبلاغة تؤهله في الحملات الانتخابية. ثم عاد إلى باريس في أحضان الحزب الشيوعي نحو معركة النضال ضد الإمبريالية من أجل استقلال الجزائر.
مما لا شك فيه كان محفز ودافع للتيارات السياسية التي رأت النور إبتداء من سنة 1923. في هذا الحراك تأسس نجم شمال إفريقيا بقيادة مصالي الحاج بباريس في جوان 1926 في أعقاب البلشفية كأولى الحركات الاستقلالية الجزائرية. العديد من المهاجرين من المغرب العربي انضموا إلى نجم شمال إفريقيا وتبنوا أفكاره. أين بدت روابط التضامن المتجذرة في حب الوطن ولا سيما في قيم الاجداد و أصولهم الشمال أفريقية.
نضال سياسي من نوع جديد
الغربة أو المنفى للجزائريين في فرنسا وفي أوروبا بين الحربين جاءت للقيام بالأعمال الشاقة لأجل إعادة الأعمار والتنمية الاقتصادية لفرنسا ” الوطن الأم ” من خلالها ظهر نضال سياسي لنوع جديد من النخبة تشكلت في العمل النقابي والحركات السياسية في أوروبا فاتحة آفاقا لمفهوم قومية حديثة.
في زيه الأخواني مصالي الحاج الذي أتخذ رفيقة حياته اميلي بوسكون وهي الابنة الكبرى لأحد عمال المناجم ونقابي ثائر على السلطة من نوف ميزون في مورت وموزيل، بدأ خطواته النضالية إلى جانبها في العمل النقابي و النضال العمالي.
وما كان لفكرة التحرر و الاستقلال إلا منفذا واحدا من خلال المذهب الماركسي اللينيني للمستعمرات، وبالتالي الانخراط في البداية في الحزب الشيوعي الفرنسي أين سيتم إنشاء فيدرالية المناضلين من أصول المستعمرات الفرنسية. وبذلك شمل نجم شمال إفريقيا المغاربة وخاصة الجزائريين منهم.
وهكذا فإن عبد القادر حاج علي، وهو عضو في اللجنة التنفيذية لهذا الاتحاد من دوي الأصول البلدان الاستعمارية الذي بدأ في استقبال أولى المنخرطين في نجم شمال إفريقيا من بينهم مصالي الحاج والذي شارك معه في المؤتمر المناهض للإمبريالية في شتاء 1927.
مصالي الحاج باعتباره عضوا منتسبا إلى جماعة إخوانية لم يتقبل فكرة قبول فكرة الاستقلال إلا في مبدأ الإسلام.
في هذه الآونة الأمير شكيب أرسلان الذي كان يدعو من سويسرا لرؤية عربية إسلامية تعرف على مصالي الحاج في 1935-1936 الذي باشر هو الآخر في مشروع مجتمع قائم على جمعية تأسيسية سيادية خلال الاقتراعات .
في الواقع كانت الثقافة السياسية بالنسبة للجيل الذي ينتمي إليه مصالي بعيدة الخوض في الانتفاضة المسلحة إلى أن جاءت جبهة التحرير الوطني لتعلنها أمام العالم في 1 نوفمبر 1954.
بينما سعى الحزب الشيوعي الفرنسي للتحكم في نجم شمال إفريقيا ووضعه تحت إمرته بمفهومها الوطني الجزائري .في سنة 1928 اختفى حاج علي تاركا مكانه لمصالي الحاج الذي عرف بكفاحه الانفصالي .
في عام 1933 أنشأ “النجمة المجيدة” التي حلت بعد فترة وجيزة في عام 1934. وهكذا بدأت متاعب مصالي الحاج في السجون الفرنسية.
في 27 جانفي 1937 تم حظر نجم شمال إفريقيا من النشاط السياسي من طرف الحكومة بلوم و في 11 مارس من نفس السنة ، أسس مصالي حزبه، (حزب الشعب الجزائري) و نقل مقره إلى الجزائر العاصمة ، قبل أن يتم القبض عليه ويحكم عليه بالسجن لمدة عامين مع رفاقه مفدي زكريا الذي نظم شعرا في عام 1936 ليكون نشيد حزب الشعب الجزائري :
فـداء الجزائـر روحي ومـالي ألا فــي سبيـل الحريـة
فـليحـي (حـزب الاستقلال) و (نجـم شمــال إفريقيـة)
وليحي شبـاب الشعب الغالي مثــال الفــدا والوطنة
ولتحي الجزائـر مثل الهلال و لتحـي فيهــا العربيـة
سلامـا سلامـا أرض الجدود سلامــا مهـد معالينــا
فأنت فـي الكون دار الخلود غرامك صــار لنــا دينـار
فـإنـا حولك مثـل الجنود لسـان هــواك يناجينـا
سنرعـى حقـك مثـل الأسود و لــو قبضـوا بتراقينـا
سـرى بالروح دم الفـاتحين فـأذكـى فيهـا معانـي الفـدا
نخوض الكون مـع الخائضين و لا نرتـد ولـو بـالـردى
وتعلي الصرخة في الصارخين نـنـادي العـزة والسـوددا
فلسنـا نرضى مع العالميـن حيــاة نبقـى بهـا أعبـدا
فلسنا نـرضى الإمتـزاجـا ولسنـا نرضـى التجنيسـا!
ولسنا نرضـى الإنـدمـاجـا ولا نرتــد : فرنسيســا!
رضينا بالإسـلام تـاجــا كفــى الجهــال تدنيسـا!
فكل من يبغـي اعوجـاجـا رجمـنــاه كـإبـلـيســا!
خلقنا بحكم الهـوى إخـوة فتبت يــدا كــل مـن فرقنـا
نريد حيـاة لنـا حـرة كفانا، كفى مــن حيـاة الشقـا
خلفنـا لهـذا الـورى سادة ونجـم الهـدى عندنـا أشرقـا
بلادي يميـنـا مقـدسـة سنرعى عهـدك طـول البقـا
ألا في طريق الهـدى سعينـا ألا فـي سبيل العلا والجهـاد
ليسطع بـأفـق السمـا نجمنا ويلقي الروعـة فـي كـل نـادي
فهـا هـو ذاك اللـوا معلنا حملناه ذا اليـوم فـوق الفـؤاد
وها هـو (أحمد1) يحدو بنـا وهـا هـو (جبريل) فينا ينـادي:
ألا في سبيـل الاستـقـلال ألا في سبيـل الحـريــة
في سبتمبر 1939، تم حل حزب الشعب الجزائري ومنعت صحيفتاه الأمة و البرلمان الجزائري من الاصدار . مصالي الحاج الذي أطلق سراحه في أوت أعيد إعتقاله من جديد في اكتوبر وحكم عليه في مارس 1941 بالأعمال الشاقة لمدة ستة عشرة سنة .
وأمام القمع المتواصل وقطع لقد تم تقريبا تفكيك قيادة الحزب بأكمله.
أما محمد بوضياف الموظف بأحد مصالح الضرائب بالشمال القسنطيني و ومحمد خيضر النقابي في قطاع الترمواي في الجزائر العاصمة، والذين كانا ينتميان لحزب الشعب الحزائري أصبحا بعد ذلك من القادة التاريخيين لجبهة التحرير الوطني فجر اندلاع الثورة.
جيل جديد من رجال الميدان جيل جديد لا ينتمي إلى المهاجرين أصبح بيده مصير الحزب وتمثل ذلك في شخص له تكوين طبي هو لمين دباعين ،فابتداء من 1942 وفي غياب مصالي الحاج . بدأ الحزب يطفو إلى الواجهة بتنشيط تجمعات شعبية في جميع أنحاء البلاد.
اعتقل مصالي في عام 1943، ثم نقل إلى الإقامة الجبرية في بوغاري ، ثم في عين صالح ثم الشلالة سنة 1944. أخرى يوجه إلى باريس فبوزريعة مع اقتراب مجازر، ثم يسجن بالقليعة ثم برازافيل بالكونغو في 23 أفريل 1945 .
التشبع النوفمبري وواجب الذاكرة
لقد ترك لنا شاعر الثورة مفدي زكريا نشيد قسما وكذلك هذا نوفمبر ومطلعه
هذا نوفمبرُ .. قمْ وحيّ المِدفعا
واذكرْ جهادَكَ.. والسنينَ الأربعا !
واقرأْ كتابَكَ، للأنام مُفصَّلاً
تقرأْ به الدنيا الحديثَ الأَروعا !
واصدعْ بثورتكَ الزمانَ وأهلَهُ
واقرعْ بدولتك الورى، و المجمعا !
واعقدْ لحقِّك، في الملاحم ندوةً
يقف الزمان بها خطيباً مِصْقَعا!
وقُلِ: الجزائرُ..!!! واصغِ إنْ ذُكِرَ اسمُها
تجد الجبابرَ.. ساجدينَ ورُكَّعا!
إن الجزائرَ في الوجود رسالةٌ
الشعبُ حرّرها.. وربُّك َوَقّعا!
إن الجزائرَ قطعةٌ قدسيّةٌ
في الكون.. لحّنها الرصاصُ ووقّعا!
وقصيدةٌ أزليّة، أبياتُها
حمراءُ.. كان لها نفمبرُ مطلعا!
نَظمتْ قوافيها الجماجمُ في الوغى
وسقى النجيعُ رويَّها.. فتدفَّعا
غنَّى بها حرُّ الضّمير، فأيقظتْ
شعباً إلى التحرير شمّر مُسرِعا
سمعَ الأصمُّ دويَّها، فعنا لها
ورأى بها الأعمى الطريقَ الأنصعا
ودرى الأُلى، جَهلوا الجزائرَ، أنها
قالتْ: «أُريد»!! فصمَّمتْ أن تلمعا
ودرى الأُلى جحَدوا الجزائرَ، أنها
ثارتْ.. وحكّمتِ الدِّما.. والمِدْفعا! إلى آخر القصيدة
بعد مرور تسع وستين سنة على اندلاع ثورة 1 نوفمبر 1954، ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من حرب التحرير الوطني الخالدة ؟ الشهود و الفاعلين في تلكم المرحلة لم يقولوا كل شيء ، أو على الأقل كانوا مترددين بالادلاء بكل شئ .
في الوقت الذي يعيش فيه العالم العربي إضطرابات من خلال التغييرات النظامية تحت تسمية “الربيع العربي”، البعض وصفها بالثورات، وهي لا تسموا بأن تكون كذلك هذا المفهوم يبدو أنه مبالغ فيه ولا يعبر عن معنى هذه التغييرات.
أنتم الذين ستصدرون حكمكم بشأننا…
” أنتم الذين ستصدرون حكمكم بشأننا…” بهذه الجملة وهذه الكلمات المعبرة والمملوءة بالمعاني والرموز إعلنت إنطلاقة 01 نوفمبر 1954 ، موجهة إلى الشعب الجزائري ومناضلي القضية الوطنية المقتنعين باندلاع الثورة . لقد كان 1 نوفمبر 1954 عيدا كاثوليكيا أحمرا لفرنسي الجزائر. بدأ كل شيء عندما قام بعض المناضلين أعضاء سابقين في المنضمة الخاصة ، التي أنشئت في عام 1946، وتم تفكيكها من قبل الشرطة الفرنسية في عام 1950، وقرروا اعادة لم الشمل لتحريك العمل الثوري المسلح.
كانت حركة انتصار الحريات الديمقراطية منقسمة إلى طرفين متناحرين . والمركزيون الذين يتددون بالولاء الشخصي لمصالي الحاج وأنصار هذا الأخير. لم يتمكنوا من التغلب على نزاعاتهم و تفاوت هذا الاختلاف ، ليقوم بعض أعضاء سابقين من المنظمة الخاصة بإنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل التي بدأت بخمسة أعضاء هم : محمد بوضياف، مصطفى بن بوالعيد، العربي بن مهيدي ، رابح بيطاط و ديدوش مراد ثم انضم كريم بلقاسم الذي يقود المقاومة في منطقة القبائل.
هذه اللجنة ضمت إلى مشروعها أحمد بن بلة، آيت أحمد ومحمد خيضر الذين كانوا في القاهرة. و هؤلاء الرجال التسعة الذين أخذوا زمام المبادرة الكفاح المسلح. انتهى الانقسام بين المصاليين و المركزيين بهذه المبادرة .و يوم 10 أكتوبر عام 1954 ستة أعضاء من اللجنة الثورية للوحدة والعمل كانوا متواجدين بالجزائر العاصمة يقررون الكفاح المسلح.
وهكذا أنشؤوا الجناح السياسي وهو جبهة التحرير الوطني والجناح العسكري جيش التحرير الوطني. وحدد تاريخ ااندلاع الثورة الاثنين 1 نوفمبر، 1954، عيد القديسين بالنسبة للفرنسيين أين الكثير من الجنود يتخلون عن ثكناتهم للاحتفال بهذا اليوم.
بيان أول نوفمبر 1954 – العقد التأسيسي-
كلف محمد بوضياف وديدوش مراد بصياغة إعلان نوفمبر أو على الأقل كانا يملينحت إملائهما حددت الأهداف ووسائل الحركة الجديدة. قبل ذلك بشهرين ، قسم الستة التارخيين المناطق أو الولايات ، وأنتخب محمد بوضياف الذي كان مكلفا بالتنسيق والاتصال مع القاهرة رئيسا . حركة التجديد التي أنشأت تحت اسم جبهة التحرير الوطني، |أتاحت الفرصة لجميع أبناء الوطن من جميع الطبقات الاجتماعية وجميع الأحزاب للانضمام فرادى إلى القضية الوطنية التحريرية من أجل استعادة سيادة الدولة الجزائرية ، ديمقراطية واجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية.
أول نوفمبر 1954 تكلم الرصاص
في صباح يوم 1 نوفمبر 54 تكلم الرصاص في جميع أنحاء البلاد. وكانت هذه بداية النهاية للحقبة الاستعمارية التي بقيت 132 سنة . ثورة بطولية وإيمانية كتبت بأسطر من الدم و من الذهب أجمل صفحات المجد والكفاح ستبقى خالدة لآلاف السنيين، الشعور بالحاجة الملحة إلى المرور إلى العمل المسلح نابع من ضمير وطني والتمسك بالقيم العالمية أين كرامة وحقوق الإنسان ليست بالهينة.
هل التسعة التاريخيين هم الامتداد السياسي لمصالي الحاج ؟ نسجل بأن أصحاب مبادرة 01 نوفمبر ضموا إليهم الاسلاميين ، ومن الطبقة النبيلة من جميع الاتجاهات، علمانيين و بربر وأصدقاء للقضية الجزائرية من جميع الأديان ولكن أغلبية الوافدين من الفلاحين.
سوف يكون هناك وفقا لبيان 1 نوفمبر 1954 نداء لالتزام شخصي منفصلا عن التشكيلات السياسية مثل الإتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري ، جمعية العلماء، الحزب الشيوعي الجزائري مع وضع مركز القرار و التوجيه الثوري بيد المجموعة التاريخية القائدة .
أخذ مشعل النضال من أجل التحرر الوطني من قبل جيل من الشباب خال من الشوائب، متحمس وناشط . فكم من انتفاضات شعبية حدثت منذ بداية المقاومة ضد نظام الظلم والترويع ألاستعمار منذ المحارب المنتسب للزاوية القادرية ، الأمير عبد القادر. فاستمرارية المقاومة تعكس تماما مسارا منطقيا لأمة تفتخر بماضيها المتجدر في التاريخ منذ آلاف السنين والتي تفسر النتيجة المنطقية لخوض ثورة شعبية مدوية.
أكثر من مجرد احتجاج، فالثورة كانت انتفاضة شعبية الذي ثار بقيادة نخبة من المناضلين الذين ارتبطوا بقوة بقضية مشروعة للكفاح الثوري إلى غاية انتزاع الحرية و الاستقلال الوطني. هذه الحرب التحريرية الوطنية أدت إلى إنهاء ألاستعمار لتصبح نموذجا يقتدى به في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
فأول نوفمبر 1954 كرس بداية نهاية الوجود ألاستعماري وبالتالي سيؤدي إلى بناء الدولة الحديثة في جميع جوانبها ومختلف مراحلها . ها قد هبت رياح الحرية في كامل ربوع الوطن الحبيب.من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.
أول نوفمبر 1954 مصدر للشرعية
الثورة الجزائرية ليست لا بالثورة الفرنسية اليعقوبية أو البلشفية. بل هي انعكاسا لعظمة شعبها. وقد ولدت من قناعة عميقة من المناضلين، لا تمجيد فيها للشخصيات كما كان الحال في أماكن أخرى. الذاكرة الوطنية تلوح بنا في مرحلة 1954-1962، ولكن كتابة تاريخ الثورة يتطلب المواد المتمثلة في الأرشيف و المحفوظات وشهادات الفاعلين الذين هم مصدر الشرعية من أجل الحقيقة التاريخية.
ولكن تاريخ الثورة الجزائرية يبقى مؤلما. لا تزال بعض الجهات صامتة أمام ما عاشته من مواقف الحياتية . وكما يقول مونتسكيو:
” من واجب كل مواطن أن يموت لأجل وطنه ، ولكن لا أحد مجبر على الكذب من أجله .” أكثر من سبعة كيلومترات من الرفوف وآلاف الأطنان من أرشيفنا في فينسين، إيكس بروفنس بمقاطعة نانت. فالمطالبة لجلب الأرشيف نابعة من سيادتنا الوطنية.
تسع وستون سنة من بعد…
الاحتفال بالثورة هذا العام جاء في سياق المرحلة التي تؤسس لجزائر جديدة من خلال تجسيد الإصلاحات السياسية والمؤسساتية و التصويت على الدستور في الفاتح من نوفمبر السنة المنصرمة.
كيف تنظر الأجيال لهذا اليوم بعد مضي تسع وستون سنة هل تراه أهم حدث في تاريخ التحرر الوطني؟ بالنسبة للبعض هي ثورة، وعند آخرين حرب تحريرية و حتى المؤرخين اختلفوا حول تعريف المفاهيم . فالحرب تعني بأن الجزائر كانت دولة وأعلنت الحرب على بلد أجنبي في الظروف و المستوى المؤسساتي من القانون الدولي لمفهوم الدولة ووحدة ترابها و جيشها ودبلوماسيتها وكل مؤسساته التي تعبر عن وحدة أراضيها.
على خلاف الحرب فإن الثورة وسيلة منظمة شعبية تحت قيادة حركة تحرريه وطنية مهمتها قيادة، على طريقة حرب ألعصابات كفاحا من أجل الاستقلال. وهذا بعيد عن المؤسسة العسكرية التقليدية لكن المقاومة ضد الاستعمار بكافة وسائل النضال.
ولكن غداة الغزو الفرنسي، كان هناك بالغرب الأمير عبد القادر بأراصيه و جيشه، ودولته وفي بيليك الشرق الحاج أحمد باي بجيشه وتنظيميه، الذي خاض كل من مكانه المعركة ضد الفرنسيين. ومنذ ذلك الحين، كانت الجزائر مستعمرة ، وليست محمية كما كان الحال بالنسبة لتونس و المغرب على سبيل المثال. حرب أم الثورة، نترك هذا النقاش جانبا لرجال التاريخ والباحثين الذين يحسنون جيدا هذه المهمة.
من نوفمبر 1954 إلى حويلية 1962 كانت فترة من النضال شهدت سقوط جمهورية حيث تعاقب أكثر من مليوني جندي فرنسي، دون حساب جنود الحلف الأطلسي، على الجزائر من أجل حرب إبادة دفع ثمنها مليون ونصف من شهداء الشعب الجزائري.
وإلا حد الساعة في فرنسا، كما أشار إليه الكاتب المؤرخ بنيامين ستورا، فإن حرب التحرير الوطني الجزائرية مازالت وراء هيكلة عميقة للثقافة السياسية الفرنسية المعاصرة”..
ثورة نوفمبر 54: ايمان و عزيمة
لقد خاض لشعب الجزائري بلا شك ثورة ستبقى منقوشة بحروف من ذهب في صفحات التاريخ المعاصر ليسنا عندنا فحسب بل للإنسانية جمعاء .
الشعب الجزائري بأعلبيته الساحقة كان وراء جبهة التحرير الوطني ومدعما لجيش التحرير الوطني، خرج منتصرا أمام أكبر قوة عسكرية متمثلة في فرنسا وحلفائها.
لقد عاش شعبنا أبشع الفظائع و اليوم فإن فرنسا أخيرا تعترف رسميا واقع الحرب التي شنتها في بلادنا فضلا عن عمليات الإعدام وإجراءات التعذيب التي عاني منها شعبنا. صور المآسي والتشريد تسترجعها الذاكرة المجروحة أمام مشاكل لا تزال عالقة بدون حلول بين فرنسا وبلادنا .
مما يثير التساؤل حول كيفية ضمان الحفاظ على التاريخ ونقله للأجيال بأقصى فدر من الواقعية و الأصالة والحقائق التاريخية المعاشة ؟ تسمية الحرب، هو اعتراف لوجود مستقل للجزائر . أما بالنسبة لفرنسا، فان المسألة الجزائرية كانت دائما تعتبرها شأنا داخليا، الأمر الذي يشوه مبدئيا أية مقاربة مستقبلية.
تعلق الجزائريين بوطنهم واستعدادهم غير المشروط للدفاع عنه ، أسلحتهم في أيديهم ، أجبر الفرنسيين على إعادة النظر في المفهوم الخاطئ للواقع. جاك سوستال ، معلنا وصوله بصفة الحاكم الجديد للجزائر العاصمة، بأن فرنسا قد حددت خيارها .
استرجاع سيادة دولة ديمقراطية شعبية
ويسمى هذا الاختيار “الاندماج”، مشددا على التغييرات الهامة التي فرضها ميدان الحرب على المسؤولين الفرنسيين والتي امتدت على جميع التراب الجزائري. فمن مشروع الاستيعاب إلى مشروع الاندماج ، ولكن االجزائريين المتشبتين بحريتهم رفضوا كل هذه العروض لهدف واحد وفريد هو تحرير البلاد من مغبة الاستعمار. الشعب يريد استعادة وبناء دولته.
مدركا لتسارع الأحداث، أوضح ميشال دوبريه في عام 1956، بكل إحساس الرهانات مؤكدا بأن “مصير فرنسا في الجزائر أغلق وحسم .” لقد غدت ثورة نوفمبر 54 نموذجا بارزا بالتأكيد، من خلال تنظيمها وانضباطها و فعاليتها ولكنها أصبحت أيضا نمودجا للتضحية اللامتناهية التي أظهرها الشعب . فايمان وغضب الجزائريين ترك آثارا كثيرة.
لا يمكن إسكات القضايا العادلة
كل الحروب قذرة. لكن ما هي أقذر من ذلك لأن هناك في مكان ما أسماء المجرمين من دوي السمعة السيئة و جلادين بلا منازع أو وحوش معترف ارتبطت اسماهم بهذه الحرب . أوساراس ، بيجار ، بابون ، لوبان… وغيرهم ، أضافوا إلى قذارة هذه الحرب الكراهية و الحقد وعدم اعتبار للإنسان.
فلمزرعة أمزيان لوحدها من 1957 إلى غاية فيفري 1961، أكثر من 108175 شخص تعرضوا للتعذيب، بما يعادل أكثر من 500 عملية تعذيب في الأسبوع، آلة حقيقية للتعذيب (1). البعض بالتأكيد انتهى بهم الأمر بالاعتراف باقترافهم لفعلهم الشنيع في غسق حياة ملطخة و غارقة بدماء الأبرياء ، (2)، والبعض الآخر يستمر في الإنكار، والبعض مثل أوسارييس ، عرضوا وقاحتهم كتابيا وكلاميا لأحل الاعتذار للجريمة المقترفة . لا يوجد أي فخر نستنتجه ونستخلصه من الجريمة و التعذيب أي كان شكلهما.
التعذيب بكل فضاعته
من الحرق الى الخنق بالغاز، و التغريق في الماء ، واستعمال كل ما يمس بالكرامة الانسانية التعذيب هو شيء دنيء تشمئز له القلوب ، يخفض من قيمة فاعليه من الجناة و يمسخهم فيما اقترفوه من وحوشية . ولكن فظاعة الحرب لا تتوقف عند تعذيب أشخاص بل يمتد إلى أعداد كبيرة . وهكذا في عام 1959، ذكر تقرير رسمي مليون من الحزائريين جمعوا في مراكز الاعتقال (4). حتى ميشال روكار، عندما كان طالبا بالمدرسة الوطنية للإدارة، ذكر عدد مليونيين من الجزائريين كانوا محتجزين بمراكز الاعتقال” (5).
ومنهم من يموتون بطرق أخرى . 40000 من بينهم كانوا ضحايا الألغام المضادة للأشخاص وهناك 80000 أصيبوا بعجز دائم جراء هذه الألغام.
الاعتقال دون محاكمة أصبح شيئا شائعا . كان الاقامة الجبرية للمناضلين كانت هي التنقيل الجماعي والاعتقال تحت التحكيم. الكثير من الظلم ، و الوحشية وا الترهيب كل زاد من عزيمة و إيمان الشعب والتفافه حول جيش التحرير الوطني، في الكفاح المسلح حتى التحرير الكامل والتام للبلاد. لقد استخدمت فرنسا كافة الوسائل والحيل لتزييف الحقيقة ، ولكن لا يمكن إسكات وطمس القضايا العادلة خاصة عندما تكون نبيلة.
الصور الموجودة في الأرشيف لم تستطع إطلاقا إخفاء أو طمس الواقع والكتابات المتعددة و التي لا تعد ولا تحصى من الصحف والكتب لم تعد مجدية. أكثر من 586 صحيفة ومجلات دورية و 269 في المتروبول تمت مصادرتها حسب المؤرخ الأمريكي هاريسون. على مدى فترة و مدة الحرب، كان هناك 44 مصادرة سنويا في الجزائر و 60 في المتربول كما كشف عنه بن يامين ستورا في حين أن سنة 1960 وحدها أكثر من 154 مصادرة و في 1961 أكثر من 127 منها أيضا .
فالمؤلفات مثل “السؤال”، “الأكالة”، “نورمبرغ للجزائر”، “موت إخواني،” لم تظهر إلا في وقت متأخر جدا بينما ضربت الرقابة أفلام مثل “الجزائر في النيران” لفوتييه ، و “التماثيل تموت أيضا ” لآلان رينيه و”مورياي أو وقت العودة”، أو حتى “عندي ثماني سنوات ” الدراما النفسية ليان لوماسون والتي جسدها أطفال جزائريون في رسوماتهم.
في مناخ حرب تميزت بالعنف، العاطفة والمأساة، الكثير من الحكومات استقالت . وانطلاقا من خطاب الجنرال ديغول حول تقرير المصير الذي ألقاه من 16 سبتمبر 1959 بدأ التلفزيون في برنامجه “خمسة أعمدة في الأولى ” التطرق إلى حرب الجزائر.
ولكن الصور الحقيقية للحرب بثت في الولايات المتحدة من قبل فوكس موفيتون ، الذي سيرى لاحقا في الفيلم الوثائقي للأنقليزي بيتر باتي “حرب الجزائر” أو السنوات الجزائرية الذي بث في عام 1991، كفيلم وثائقي فرنسي.
الرأي العام الفرنسي بجنب الشعب الجزائري.
كانت تعبئة الرأي العام الفرنسي ضد من ويلات الحرب. المثقفون مثل فرانسوا مورياك، جان بول سارتر، جاك فيرجيس، حاملي حقيبة شبكة جينسون الخ … صمموا مساعدة الشعب الجزائري في كفاحه ضد الاستعمار.
في هذا السياق، فإن كتاب لوران شوارتز “مشكلة التعذيب في فرنسا اليوم” طرحه أكثر من بناء.
بعد خمس سنوات من الحرب القاسية، تيقن ديغول عدم قدرة فرنسا على المضي قدما نحو طريق المخاطرة بالحرب. ودعى إلى تقرير المصير قائلا “إذا لم أقم بحل هذه المسألة، لا أحد سوف يفعلها في مكاني ، فإن الحرب الأهلية ستتفجر وفرنسا ستخسر ” فهم ديغول الخطر. فالمنظمة المسلحة السرية قتلت وحدها أكثر من 6000 من الرجال والنساء، وفقا لما سرح به أحد قادتها، إلى جانب الأرض المحروقة وتدمير واسع النطاق من كل ما هو ذاكرة شعبنا.
واحدة من أجمل الثورات في القرن العشرين
أي الحرب التي طال أمدها دون أن يتحقق أمل في النصر تولد الملل كما قال بن يامين سطورا بعد اتفاقات إيفيان، استعادت الجزائر استقلالها بعد أن قادت واحدة من أعظم الثورات من هذا القرن. في الجزائر هذه الحرب تسمى ثورة.
هذا هوالعقد التأسيسي للدولة الجزائرية الحديثة التي سيتم رفع قضيتها إلى محكمة لاهاي كأمة متجدرة منذ آلاف السنين أين تكون الدولة بمعنىاها الحديث، وكما ينص عليه القانون الدولي.
في الفاتح من مارس 1962 قيم التقرير الذي أرسل إلى الأمم المتحدة عدد المسلمين من مؤيدي فرنسا الذي بلغ 263000 شخص و في 19 مارس من نفس السنة ، بسطت الجسور نحو السلام. سلام الذي تبين بعد فترة أنه لا يقل كثافة من الحرب نفسها.
في الجزائر انها حرب شعبية حقيقية أي ثورة بالمعنى الاشتقاقي للكلمة. هذا شعب الذي مل وضجر من الظلم القديم ، فاراد أن يستبعده مقررا مواجهة ترسانة الحرب الحديثة في ذلك الوقت بأيادي مجردة وفارغة. انها في نفس الوقت ثورة منجزة بمعنى أنها أدت إلى تحولات عميقة اجتماعية واقتصادية و ثقافية في المجتمع.
ولكونها عميقة جدا، ما زالت الجراح التي سببتها الحرب، بعد عقود من الزمن، عقبة في طريق النسيان. دون كراهية أوعاطفة، ما زال الجزائريين يتذكرون العواقب الوخيمة لأكثر الاستعمار بشاعة. ومن جهة أخرى مازال السياسيين الفرنسيين، مستمرين في إنكار هذه الحرب.
من نجم شمال إفريقيا إلى حزب الشعب الجزائري مرورا بالمنضمة الخاصة و اللجنة الثورية للوحدة والعمل هذه الحلقات لسلسلة متواصلة من الكفاح ستكون المرجعية للثنائية جبهة التحرير الوطني / جيش التحرير الوطني الذي وباسم 22 التاريخيين باشر الثورة المسلحة لس بتحويل بل بقطيعة مع الزعامة مع الرجل الذي كان يطلق عليه “الأب الروحي لحركة التحرير”.
لقد وضعه التاريخ الرسمي في خانة المتهمين عندما قرر إنشاء الحركة الوطنية الجزائرية ويعود للباحثين والمؤرخين مهمة نفض الغبار عن الأرشيف وإعادة قراءة السياق من أجل التوصل في آخر المطاف إلى الحقيقة التاريخية أساس أي مبادرة واستخرااج الطالح والصالح لتصفيتها . كطريقة لإعادة النظر في التاريخ المعاصر من دون عاطفة أو تحيز.
لا يمكننا تجنب الحديث عن الهبوط أو النزول الأنجلو أمريكي في الجزائر في نوفمبر 1942 وميثاق الأطلسي الذي وقعه تشرشل وروزفلت. والقمع الدموي لمجزرة 8 ماي 1945 في سطيف، قالمة و خراطة وفي جميع أنحاء البلاد التي مهدت إلى بداية نهاية الاستعمار في الجزائر وبالتالي الاستعداد لثورة الفاتح نوفمبر 1954 تحت لواء جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني
أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية
ونشأة جبهة التحرير الوطني / جيش التحرير الوطني
في واقع الأمر فان الانقسام بسبب الأزمة داخل حركة انتصار الحريات الديمقراطية هي التي عجلت في نشأة جبهة التحرير الوطني في الوقت الذي عقد مصالي الحاج مؤتمره المغلق بأورني ببلجيكا بين 13 و 15 سنة 1954 جمع خلاله قرابة 300 مندوب منصبا رئيسا على مدى الحياة.
وبعد بضعة أشهر أجتمع المركزيون بأحد المستودعات في منطقة الحامة في بلكور، معقل مناضلي حركة انتصار الحريات الديمقراطية. وهناك تم اعتماد قرار لاسقاط مصالي الحاج، مزارنة وآخرين . مستنكرين في الوقت نفسه توصيات مؤتمر أورني ووصفوه بالعمل المشتت.
خلال صيف 1954، وصل هذا الانشقاق بين المركزيين والمصاليين أهبة العراك خاصة في منطقة قسنطينة.
ولكن من أجل نجاح جبهة التحرير الوطني في دفع إنطالقة 1 نوفمبر 1954، كان من الضروري تجاوز و التخلص من الشخصية الكاريزمية لمصالي الحاج في رهان استراتيجي و تجنبا لتمزق عميق .
مجموعة الاثنان وعشرين
ولا بد من القول أن أصول جبهة التحرير الوطني انبثقت من التيار الراديكالي النابع من حزب الشعب الجزائري ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية وأعضاء من المنظمة الخاصة ، إنطلاقا من هيئة جديدة سميت باللجنة الثورية للوحدة والعمل رأت النور حين أجتمع أعضاءها في مدرسة الرشاد برئاسة مصطفى بن بولعيد الذي جاءت للخروج من الأزمة و الانقسام وهذا ما جاء في مضمون العدد الأول ” الباتريوت الجزائري “.
لتبين هذه اللجنة خطها الراديكالي بعد قيامها بالاتصال بالمسؤولين القدامى للمنظمة الخاصة وأعضاء الوفد الخارجي بالقاهرة.
وعلى ضوء المؤتمرين وما تلاهما من تشابك واللذان بينا حقيقة الانقسام بين المصاليين والمركزيين، سارع كل من بوضياف وبن بو العيد إلى استدعاء 22 مناضلا من الأعضاء السابقين للمنظمة الخاصة ، من أجل وضع حد للتشتت بين الأخوة. وقد عقد الاجتماع لجنة 22 في حي كلوس بسالومبيي في الجزائر العاصمة أين قرروا إعلان من دون انتظار الكفاح المسلح.
انتخاب أعضاء مجلس الثورة من ستة
قام الأعضاء 22 بانتخاب هيئة جماعية مكونة من خمسة أعضاء هم مصطفى بن بوالعيد ، العربي بن مهيدي رابح بيطاط ، ديدوش مراد ومحمد بوضياف. ودعا هذا المجلس الثوري لمقاطعة المؤتمر الوطني للمركزيين و مؤتمر المصاليين بأورنو . في وقت اعترض أربعة مناضلين مع محمد مشاطي كلهم من قسنطينة على تعيين مجلس الثورة متحفظين على اسم محمد بوضياف لعدم الثقة به ، وبقوا على مسافة متساوية من للمركزييين والميصاليين ، بينما انضم أوعمران وكريم بلقاسم إلى “مجموعة 22” ليلتحق كريم بلقاسم في اللجنة الخماسية ليتشكل من خلالها “المجلس الثوري للستة”.
الاجتماعان ما بين 22 و 24 أكتوبر 1954 هما اللذان حددا ليلة 31 أكتوبر إلى 1 نوفمبر 1954 كتاريخ انطلاقة العمل العسكري و إعلان ثورة 1 نوفمبر 1954 بشعار وتوقيع “جبهة التحرير الوطني”.
هل يوجد هناك نداء آخر باسم جيش التحرير الوطني ” الجناح العسكري لجبهة التحرير الوطني؟ في بيان 1 نوفمبر يجب التماس ما يلي : ” استعادة الدولة الجزائرية، الديمقراطية والاجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية”.
وهنا نشير بأن رئيس الحكومة المؤقتة بن يوسف بن خدة طالما قال بأن “أول نوفمبر 54 ليس قطيعة مع الماضي. أنه ليس بثورة عفوية. فأول نوفمبر هو تتويج لمسار طويل من النضج استمدت أفكاره من نجم شمال إفريقيا حزب الشعب الجزائري ، حركة انتصار الحريات الديمقراطية ومن هنا تكمن مرجعية جبهة التحرير الوطني “.
لقد تمكن كل من حزب جبهة التحرير الوطني و جيش جبهة التحرير الوطني من صيانة عهد نوفمبر: إلى غاية تتويج الجزائر بالإستقلال. لذا يجب علينا استعادة “الحقيقة التاريخية والتعرف على الأخطاء الأكثر شيوعا لهذا التاريخ لأنه يتعين كتابته كلما أتيحت الفرصة لذلك “، كما قال محمد بوضياف في مقدمة لكتابه. هكذا يتوجب أن يكون المصير الذي ينتظره ورثة ثورة نوفمبر في طمأنينة وتضامن وتكاتف. المجد لشهدائنا وتحيا الجزائر، أمة مفتخرة بماضيها وحاضرها ومتطلعة إلى مصاف الدول المتقدمة.
لقد بدأت كلمتي بالحلم الذي كان يراود جيل نوفمبر في رأية الأجيال الجديدة تتحكم في التكنولجيات الحديثة للأسلحة المتطوة وخاصة الطائرات منها ، و ها هو الحلم قد تحقق عندما نرى هذا التحكم المثالي لشبابنا للتكنولجية يضاهون به الدول الرائدة في هذا المجال والجزائر تلتقط أولى صور الأقمار الصناعية الثلاثة التي أرسلت مؤخرا إلى الفضاء ، تجعلنا نفتخر بهذه المكتسبات التي وهبتها لنا ثورة الفاتح من نوفمبر الخالدة.
حول هذا الثوابت الأساسية تنتج ديناميكية بامكانها تجديد تلكم النظرة لجزائر جديدة تمنح فيها الفرصة لابنائها لكي يقتحمون مرحلة أخرى تكون فيها التحديات مقرونة بالذكاء الاصدناعي في قلب الاستراتيجيات الجديدة بالمعرفة و البراقماتية و مشروعية كريزماتيكية ، عقلانية تضع الجزائر في مصف الدول المتقدمة
بقلم الدكتور بوجمعة هيشور،
باحث جامعي، وزير سابق